فلسفة المعرفة

كلمة (ابستمولوجيا) مشتقة من الكلمة الاغريقية

 (Episteme) وتعني المعرفة أو العلم
ونظرية المعرفة (الابستمولوجيا): هي مجموعة مشكلات فلسفية تتعلق بالمعرفة والإدراكوالاثبات والاستدلال.. الخ
وتبحث الابستمولوجيا في الأسئلة التالية:
1- ماهي طبيعة المعرفة؟
2- كيف تَحصُل لدى المعرفة؟ وما مصادرها؟
3- ما هي حدود معرفتي؟
تعرّض الفلاسفة للبحث في طبيعة المعرفة الإنسانية وحقيقتها، وحاولوا جاهدين أن يعرفوا كيفية العلم بالأشياء، وأن يقفوا على علاقة الأشياء المدركة بالقوى التي تدركها أو معرفة علاقة الذهن بالواقع.
وانقسمت مذاهب الفلاسفة إلى قسمين رئيسين (الواقعية و المثالية) وكل منهما ينقسم لعدة أقسام، وسنعرض بإيجاز كل قسم على حدة بالإضافة لنبذة عن طبيعة المعرفة عند البراجماتيين في نهاية المقال.
◄ أولا: الواقعية- Realism
تتفق مذاهب الواقعية في أن للأشياء وجودًا عينيًا مستقلًا عن الذهن الذي يدركها؛ فالمعرفة عندهم إدراك عقلي أو حسي مُطابِقٌ للأعيان في الواقع أو انعكاس العالم على الذهن.
وينقسم الواقعيون إلى أربعة أقسام (الواقعية الساذجة - الواقعية النقدية - الواقعية الجديدة - الواقعية النقدية المعاصرة)، وسنعطيكم نبذة عنهم ..
1- الواقعية الساذجة (Naïve Realism)
هي رؤية عامة الناس بأن أفكارنا هي مطابقة للواقع الخارجي المُكوَّن من كثرة من الموجودات تربطها علاقات وروابط، وأن العالم الخارجي موجود بغض النظر عن الذات العارفة، وهم يثقون في الحس بشكل مطلق، ولا يلتفتون إلى أخطاء الحس مثل مشاهدة الشيء البعيد بأصغر من حجمه الحقيقي وما شابه. وقد اعتبر هذا المذهب ساذجًا أو (بسيطًا) لأنه يمثل مرحلة سابقة في التفكير العلمي والفلسفي.
2- الواقعية النقدية (Traditional Critical)
تتميز عن الواقعية الساذجة برفضها التسليم للمدركات الحسية بغير اختبار نقدي؛ فالوردة ذات اللون الأحمر معناها وجود الوردة بخواص يستقبلها الجهاز العصبي ويرسمها في الذهن باللون الأحمر (فالوردة موجودة بغض النظر عن الذهن المُدرِك، لكنّ الإحمرار بغير العين المدركة لا وجود لها).
وعليه فهي تُقسّم الصفات إلى (أولية وثانوية) فالأولية متصلة بالشيء اتصال يستحيل انفصاله لأنها جزء من جوهره، أما الثانوية فهي ناشئة عن اتصال الشيء بالذهن مثل اللون والطعم والرائحة
وعليه فإن لصفات الأولية هي بالفعل مطابقة للواقع، أما الثانوية فتنشأ من اتصال الواقع بالذات العارفة.
3- الواقعية الجديدة (New Realism)
بدأ هذا الاتجاه في بداية القرن العشرين، واهتمت بتحليل العلاقة بين الذات العارفة وموضوع المعرفة، ورفضت التسليم برؤية الواقعية النقدية من وجود وسيط بين الشيء المدرك والذات العارفة (مثل الصورة الذهنية عند جون لوك) لأن الإدراك عندهم يقع مباشرة بغير وسيط.
4- الواقعية النقدية المعاصرة (Contemporary Critical)
هو مذهب تأسس في العقد الثاني من القرن العشرين، ويبحث في الإدراك الحسي إلا أنهم رفضوا موقف الواقعية الجديدة التي ضمّت العارف والمعروف في إهاب واحد، وعادوا للثنائية التي تُميّز العارف والمعروف وأن وجود الشيء مستقلًا عن إدراكه وأن ظاهر الشيء هو حقيقته، ورفضوا المفهوم الكانطي عن الشيء في ذاته فلا شيء فوق الطبيعة.
------------
◄ ثانيًا: المثالية- Idealism
يرى المثاليون أن لا وجود للعالم الخارجي بشكل مستقل عن الذات العارفة، وأن معرفة الشيء ووجوده وجهان لعملة واحدة، وإن انعدمت القوى المدركة استحال وجود العالم الخارجي؛ فطبيعة المعرفة هي ذاتها طبيعة الوجود فالشيء المعين هو مجموعة مركزة من معان كلية والمعان لا يدركها إلا عقل، وانتهوا إلى التطابق التام بين أن يكون الشيء موجودًا وأن يكون مُدرَكًا معروفًا.
وتنقسم المذاهب المثالية إلى (ذاتية ونقدية)، وسنعرضها لكم ..
1- المثالية الذاتية (Subjective Idealism)
يرون أن الظواهر العقلية هي الظواهر الوحيدة التي نتيقن من وجودها، وليس في الوسع إقامة دليل على وجود العالم الخارجي؛ فالوجود هو الإدراك والعقل الإلهي هو الذي يدرك الموجودات حين لا يدركها أحد. ويفسر بعضهم اتفاق العقول على إدراك العالم بشكل واحد بأن العقول نفسها ليست فرادى وإنما أجزاء لعقل واحد كوني. وبالجملة فإن رؤاهم قد تتفق في أشياء وتختلف في تفاصيلها، ونترك التفاصيل لاحقًا لحين الحديث عن هيجل ورفاقه المثاليين.
2- المثالية النقدية Critical idealism))
ترجع المثالية النقدية إلى رؤية كانط في كتابه الأشهر (نقد العقل المحض)، وهو يرى أن المعرفة لا تُستقَى من المدركات الحسية وحدها ولا من العقل وحده؛ فالمدركات تستقبل المحسوسات وتنقلها للذهن الذي يفسرها بواسطة آليات معينة (المقولات)، وعليه فالذهن يتعامل مع الظواهر بآليات معينة ولا يصل للشيء في ذاته. وسوف نفصل في مبحث مصادر التجربة كيف جمع كانط بين العقليين والتجريبيين بمذهبه النقدي.
وبالعموم فإن صور المثالية كثيرة؛ فغير الذاتية والنقدية توجد المثالية المطلقة والمثالية الموضوعية والمثالية الجديدة والمثالية الشخصية، وبين كل نوع وآخر فروق دقيقة لا يتسع لها المقام ومن الأفضل التفصيل عند دراسة نظرية المعرفة عند كل فيلسوف على حدة.
والقارىء المتأني سيدرك أن الفرق الرئيس بين الواقعية والمثالية يكمن في مصدر المعرفة، وهل هو في الذات كما يقول المثاليون أم في الموضوع كما يقول الواقعيون. وهذا يعتبر خلافًا تاريخيًا؛ فالواقعيون الآن يسلمون أن في المعرفة عنصرًا ذهنيًا بخلاف الموضوع وكذا يسلم المثاليون بوجود عنصر موضوعي بخلاف الذات المُدرِكة، والخلاصة أن وجه الخلاف الحالي في نوع العلاقة بين الذات والموضوع...
------------
◄ ثالثا: البرجماتية- Pragmatism
المعرفة عند البراجماتيين أداة للسلوك العملي أو ما ينتج عن هذه الفكرة من آثار في الخبرات العملية، بغض النظر عن مصدر المعرفة ومطابقتها للواقع، (فأنا أعرف تساوي أنا أستطيع أن أفعل).
هذه الطريقة لم تلق قبولًا عند أكثر الفلاسفة المعنيين بتحليل المعرفة وتفسيرها، فاعترض بعضهم أن مثل هذا المنهج قد يرتضي نشر خرافات (مفيدة) بل ويقدمها على الحقائق التي لا يترتب عليها أثر عملي ممكن.
وسنؤجل الحديث التفصيلي عن هذا المنهج إلى حينه
فلسفة المعرفة فلسفة المعرفة Reviewed by th3light on 2:47 AM Rating: 5

No comments:

Powered by Blogger.