عندما تريد قياس صحة أو خطأ أمر معين، عليك دوماً اللجوء إلى ما يسمى “طرف ثالث” يثبت صحة الادعاء. تخيل مثلاً أنك تملك كوباً من الماء، وتريد قياس درجة حرارته. فأنت “الطرف الأول” تريد قياس درجة حرارة الماء “الطرف الثاني”، ولذلك تستخدم “طرف ثالث” يسمى ثرمومتر، يحدد لك درجة حرارة الماء، ويعطيك نتيجة القياس بالدرجة المئوية.
ليست هذه الطريقة الوحيدة. بل تستطيع قياس درجة حرارة الكأس بالنسبة لشيء آخر، مثل مثلاً كأس عصير آخر. فتكون أنت الطرف الأول، وكأس الماء هو الطرف الثاني وكأس العصير هو الطرف الثالث. فعندما تبدأ القياس فتكون النتيجة إما درجة حرارة كأس الماء أسخن من كأس العصير، أو العكس، أو أنهما متساويتين، بغض النظر عن الأخطاء في القياس التي يمكن أيضاً تقديرها.
تخيل أنك تريد قياس درجة حرارة كأس الماء بدرجة حرارة نفس كأس الماء. هل هذا ممكن؟ طبعاً لا! لأن النتيجة ستكون دوماً “صفر”. الفرق بين درجة حرارة أي شيء ونفسه هو دوماً صفر. ولذلك دوماً وجود طرف ثالث “محايد” هو شيء مهم جداً لعمل أي قياسات أو مقارنات. هذا النوع من القياس يتبع ما يسمى المنطق الدائري بسبب عدم وجود طرف ثالث. فببساطة أنت تقول “كأس الماء ساخن لأني أظن أنه ساخن”. وذلك يخلو من الموضوعية. لذلك وجود طرف ثالث هو أمر جوهري في أي قياس أو مقارنة.
هذا المبدأ في القياس هو المبدأ العلمي لكل شيء نجده من قياسات في حياتنا. فعندما تستخدم درجة الحرارة المئوية والسنتيمتر والثانية والفاراد والكولوم والجول والفولت والأمبير وسرعة الضوء والسنة الضوئية وكل هذه الوحدات فأنت تلجأ إلى طرف ثالث لتقييم ما لديك. وهذا التقييم هو الذي يطرح مبدأ الصحة والخطأ في القياس، فالقياس قد يكون غير منطقياً عندما تقارنه بشيء آخر معروف بالنسبة لك، فعندما نقول لك مثلاً أن درجة حرارة سطح الأرض مليون درجة مئوية، فتقول أنت:
“مستحيل!!! درجة حرارة جسم الإنسان 37، ولو كانت درجة حرارة الأرض كذلك لاحترقنا، وأيضاً درجة حرارة الشمس أكبر من درجة حرارة الأرض، ودرجة حرارة الشمس 6000 درجة مئوية على السطح، فكيف يمكن أن يكون كلامك صحيحاً؟ قياسك خاطئ بلا شك!!!”
فأنت لجأت دون أن تشعر إلى طرف ثالث في كلامك، فكان الطرف الثالث مرة هو جسمك ودرجة حرارته، وكان مرة أخرى هو الشمس ودرجة حرارتها.
لولا أنك تملك طرفاً ثالثاً، لكنت قد قبلت بنتيجة أن درجة حرارة الأرض مليون درجة، لأنك ببساطة لا تملك “مرجعية” لقياسك، ولذلك المنطقية هو أمر نكتسبه بسبب المرجعية، ولولا المرجعية لما كان لأي قياس أي معنى!!
فالمنطق وعدمه يتم تعريفهم أيضاً بطرق رقمية أو على الأقل ثنائية Boolean. ولذلك تعتبر الرياضيات من أقوى أدوات المنطق على الإطلاق في تاريخ البشرية بسبب تماسكها Consistency.
الآن لنأتي إلى القرآن ولنبدأ التحليل. ما يحزنني هو أن بعض المسلمين يقولون أن القرآن ليس فيه خطأ، وعندما تأتي إليهم بتفسير القرآن الذي يثبت أن القرآن فيه خطأ، يقولون أن التفسير هذا غير صحيح، والتفسير الصحيح هو كذا وكذا وكذا.
طيب السؤال هو: على أي أساس اخترت أنت التفسير الصحيح؟ ما هو الطرف الثالث الذي لجأت إليه لتختار التفسير من بين كل التفاسير الممكنة؟ هل تعلم أنك تستخدم المنطق الدائري دون أن تشعر؟
المنطق الدائري في هذه القضية هو ببساطة أنك تبحث عن التفسير الذي يجعل القرآن صحيحاً، وذلك هو المنطق الدائري بعينه. لماذا؟ ببساطة لأن:
أ- لماذا يمكن تبديل تفسير الآية: لأن التفسير يجب أن يطابق الواقع لأن القرآن كتاب يجب أن يكون صحيحاً
ب- لماذا يجب أن يكون القرآن صحيحاً: لأن القرآن نزل من عند الله
ج- لماذا نقول أن القرآن نزل من عند الله وليس من تأليف محمد: لأن القرآن دوماً صحيح ولا يوجد فيه أخطاء.
وبذلك نكون قد عدنا إلى النقطة الأولى. وذلك لا يختلف على الإطلاق عن قول أن القرآن صحيح لأن القرآن صحيح (بالاختصار الرياضي)، ويشبه المقارنة بين كأس الماء وكأس الماء نفسها… فالنتيجة دوماً صفر!!! ولا يوجد نتيجة حيادية لذلك هذا النوع من الاستدلال ليس له أي معنى.
أي بعبارة أخرى: كل كلام يعتمد تفسيره على هوى القارئ هو كلام غير منطقي وعديم الفائدة لأنه لا يلجأ إلى طرف ثالث وليس له مرجعية صحيحة.
هل يُعقل أن يحتاج الله خالق كل هذا الكون العظيم إلى هذه الأساليب الملتوية لإثبات قدرته؟ هل يعقل أن يخلق الله العقل والمنطق عند الإنسان ثم يطلب من الناس تحطيم المنطق للإيمان به؟
فكّر!
المنطق الدائري للمسلم المعتدل في قبول زئبقية القرآن
Reviewed by th3light
on
12:56 AM
Rating:
No comments: